Kayıt Oturum aç

هل سنندم يوماً ما لأننا لم نعش في المستقبل؟

ammar

65
     

هل سنندم يوماً ما لأننا لم نعش في المستقبل؟

 

د. أحمد درويش مؤذن

مَنْ مِنَّا لم يُشاهِد أفلام الخيال العلمي وهي تأسر الألباب وتضعنا أمام عالم جديد من التطوُّر والتقدُّم!، مَن مِنَّا لم تسحره التكنولوجيا الجديدة بتقنياتها وما تقدِّمه من راحة ومُتعة!، حتى تساءل البعض عمَّا ستكون عليه البشريَّة في مُستقبلها القريب والبعيد، فتمنَّى أن يكون في المستقبل ليحظى بتلك المتعة والإثارة كما كان يُشاهِدها في أفلام الخيال العلمي..

القصة تبدأ من هُنا عند بداية الخلق، وكيف خلق الله تعالى هذه الكائنات، وأبدعها في أجمل صورة، وجعل لها بداية ونهاية، تعمل وتتطور وتُنتج لتؤدِّي الرسالة التي أُوكلتْ لها، ولذلك كان لوجود الإنسان في هذه البداية والنهاية وضع خاص، وهو وجود تطوُّري وليس وجوداً لحظياً، وهو يسعى دائماً في وجوده للوصول إلى الكمال ويواكب كلَّ جديد، والدليل على ذلك أنَّ القرآن يدلِّل في بعض آياته على فكرة أنَّ الكون قد مرَّ بمراحل متطوِّرة حتى وصل إلى الكمال الحالي في الكون، فقال تعالى:

 ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ (سورة الأنبياء: )30. وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (سورة فصلت: 11).

وكذلك أيضاً النوع البشري في تطوره ونظرته للمستقبل مرَّ بمراحل خاصة أيضاً، ولا يعني ذلك أنَّني أُناصِر نظريَّة التطور لتشارلز داروين ( (Charles  Darwinوادعائه أنَّ الإنسان تطوَّر من نشأة حيوانيَّة حتى صار على ما صار عليه اليوم، بل إنَّ النشأة الإنسانيَّة مختلفة تماماً في بدايتها عن خلق السموات والأرض وخلق الكون، وقد صرَّح القرآن الكريم بذلك فقال تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ، وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ (سورة نوح: 17).

 ويعني ذلك أنَّ نشأة الإنسان تختلف عن نشأة الكون، وهي تشبه البذرة في نشأتها وتطوُّرها إلى موتها وفنائها كما يحصل للإنسان، وهي موجودة قبل خلق الله للكون، ويمكن تسميتها (بالبذرة الإنسانية)، وقد تتعدَّد في أطوارها  ومراحلها كما وصفها الله عز وجل فقال:

﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ (سورة السجدة: 7،8،9).

وهُنا يأتي السؤال: هل حياتُنَا اليوم في تطوُّرها وما فيها من رفاهيَّة وبزخ هي نوع من هذا التطوُّر في أشكاله وتصوُّراته؟ أم أنَّنا نشهد حالة طبيعيَّة عاشها مَن قبلنا وتأقلموا معها حتى ظنُّوا أنفسهم في قمَّة ما قد يصل إليه العالَم مِن تطوُّر وتقدُّم!، ثمَّ يأتي جيل جديد يُظْهِرُ لِـمَن كان قبلهم أنَّهم كانوا في البدايات فقط، وهُنا نُدرك أنَّ الوجود الإنساني في هذا الكون البديع المعقَّد هو امتداد لهذا التطوُّر وسلسلة تتكامل جزئياتها لتتمثل في مفهوم الخلافة التي تحدَّث عنها القرآن الكريم بقوله تعالى:

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (سورة البقرة:30).

هل سيغدو ما نراه اليوم من وسائل وتقنيات حديثة كالسيارات الفخمة (Self-driving car) والهواتف الذكيَّة (Smartphone) وغيرها من الاختراعات التكنولوجية الباهرة، والإنترنت (Internet) وما فيه من معلومات شيئاً من التراث القديم، يتداوله الجيل الجديد على أنَّه فترة عاشتها البشريَّة في مرحلة من مراحلها تطوُّرها؟، وهو أمر قد يحصل بالفعل.

وقد يأتي أحد ما ويتحسر على المستقبل المجهول - وهو ما لا نقبله - فيتمنى لو كان واحداً من تلك الشخصيات الخياليَّة التي نشاهدها في أفلام الخيال العلمي وهو يرتدي بذلة الرجل الحديدي (Iron Man) ليطير ويتنقل بسرعة خياليَّة لا نراها إلا في أفلام هوليوود (Hollywood)، وهو أمر غير ممكن الآن، ولا ندري ما يُخَبِّئ لنا المستقبل القادم، ثمَّ إنَّ لكل واحد منَّا وظيفة وغاية في هذه الحياة، ولكل منَّا بداية ونهاية تترك أثراً يُتمِّم معنى هذا الوجود في تطوُّره ويخدم الأجيال القادمة، ولذلك أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:

"إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" (رواه الإمام أحمد).

ويمكننا أن نفهم معنى (غاية هذا الوجود) في عبادة الإنسان الله وحده كما أخبر الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)، ومعنى (تطوُّره الوجودي) في كونه خليفة الله في أرضه يسعى فيها إلى الكمال من ولاته إلى حين

هو وغيره بها، وعلى قدر امتثال الإنسان بهذه الغاية التي خُلِقَ من أجلها، على قد ما تكون حياته أكثر فعاليَّة، وأكثر سعادة وهناء.