Kayıt Oturum aç

إشكالية تدريس النحو والصرف للناطقين بغير العربية

Global Arapça Platform Ekibi

1107
     

إشكالية تدريس النحو والصرف للناطقين بغير العربية

د. أحمد درويش مؤذن

يعدُّ علم النحو من أهمّ العلوم لتقويم اللسان، وعدم الوقوع في الخطأ واللحن، وبه تعرف صحَّة التراكيب من حيث استخدامها، ولا يمكن الاستغناء عنه لسلامة اللغة وفصاحة الـمُتكلم، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: "من تبحّر في النحو اهتدى إلى كلِّ العلوم".[1] وبعد هذه المقدمة القصيرة يتبادر إلى أذهاننا أسئلة كثيرة منها:

هل تعليم النحو والصرف لأبناء العربية من حيث الطرق والأساليب والمباحث هو نفسه عندما نعلم النحو والصرف للناطقين بغير العربية!؟. وما الهدف من تعليم القواعد العربية!؟. وهل هناك إشكاليات عند تدريس القواعد العربية للناطقين بغيرها!؟. وهل من مقترح جديد يُسهم في حلِّ بعض هذه الإشكالات في مقال قصير كهذا!؟.

بداية علينا أن نعرف جيِّداً أن تعليم النحو والصرف لأبناء العربية يختلف تماماً عن تعليمه للناطقين بغيرها، فهو قد يختلف من حيث العرض والتنظيم والنوعية والكم، وذلك بناء على تنوع الأهداف التعليمية والدوافع والاحتياجات والمقدرة اللغوية لدى كل طالب. ثم إن القواعد العربية مُتشعِّبة ومبنية على أُسُس نُطقيَّة وتعقيدات فلسفيَّة تجعل أبناء العربية أنفسهم في حيرة وضياع عند عدم الفهم، فيدخلون أحياناً في متاهات القياس والجوازات، وكما يقول (فيشر) أحد الباحثين في الغرب في معرض حديثه عن القواعد العربية: "لقد قام العرب بوضع نظام خاص بالقواعد بالنسبة إلى لغتهم، وقد تمَّت صياغة هذا النظام من أجل العرب الراغبين في تعلُّم العربية الفصيحة، ولكنه لا يناسب غير العرب".[2]

ولذلك كان علينا أن نكون حذرين في انتقاء ما هو مناسب، وتطوير بعض الوسائل والتقنيات بحيث تخدم متعلمي القواعد العربية من غير الناطقين بها، لنأخذ بيدهم نحو برِّ الأمان، ونجعل من تعلُّم النحو والصرف أكثر سهولة ومتعة.

ولابدَّ لنا أن ننظر بعناية إلى الأهداف من وراء تعليم القواعد، والكفاءة اللغوية لدى كل مُتعلم، لأن الهدف ليس تعليم القواعد وتحفيظها من دون الفهم أو الممارسة، وكما يقول رشدي طعيمة: "إن هدف تدريس النحو ليس تحفيظ الطالب مجموعة من القواعد المجردة أو التراكيب المنفردة، وإنَّما مساعدته على فهم التعبير الجيد وتذوقه".[3]

وعندما نتحدث عن تعليم القواعد العربية للناطقين بغيرها، نجد أنفسنا أمام جدل كبير حول كيفية العرض وتنظيم المباحث وغيرها الكثير من التساؤلات، فالبعض يرجِّح طُرقاً خاصة تتناسب مع قدرات الـمُتعلمين وأهدافهم، والبعض الآخر يجعل من النحو والصرف هدفاً لا غاية، فينفر الطلَّاب من الـمُدرس ومن المادة التعليمية، ونجد أنفسنا بعد ذلك أمام مشكلة قد يصعب حلُّها.

اقتراحات لتعليم النحو والصرف للناطقين بغير العربية:

أولاً: التقليد والمحاكاة

 جعل مادة القواعد العربية مادة تدرس إلى جانب المواد الأخرى كالقراءة والاستماع، حتى يتسنى للطالب ممارسة القاعدة وتطبيقها من داخل تلك النصوص، وعندها يصبح الطالب قادراً على معرفة القاعدة النحوية واستخدامها من خلال التقليد والمحاكاة، ويستطيع أيضاً التعبير بلغة سليمة يحاكي فيها ما وجده عند قراءة النص.

وكما نعلم جميعاً أن الأصل في تعليم القواعد العربية هو التقليد والمحاكاة، وليس الترديد والحفظ، وأكبر دليل على ذلك أن قواعد النحو عند العرب قديمًا لم تكن مكتوبة ولا مدونة، وبالرغم من ذلك لا تجد لحنًا في أشعارهم وكتاباتهم. ولا أقصد من وراء ذلك الابتعاد التام عن القواعد، بل لابد من توظيفها بالشكل الصحيح بحيث تناسب المتعلم الأجنبي، ولا تُدخله في سراديب الخلافات العقيمة والتعقيدات التي لا تجعل من تعلُّم العربية إلا أكثر صعوبة.

ثم إننا إذا نظرنا إلى أسماء الكتب والفهارس التي تُعنى بالقواعد العربية، وجدنا أن معظم القدماء من الباحثين كانوا يدركون صعوبة تعلُّم النحو، فكان شغلهم الشاغل هو تبسيط النحو للطلاب كما وجدنا عند الكسائي عندما ألف مختصراً في النحو، وكتاب التفاحة لابن النحاس، وكتاب تلقين المتعلم لابن قتيبة، وكتاب المبتدئ لابن خالويه، وكتاب الرد على النحاة لابن مضاء الذي حذف فيه من النحو ما يستغنى عنه وغيرهم الكثير.

ثانياً: دراسة التراكيب العربية إلى جانب الإعراب

 من خلال تدريسي لمادة القواعد العربية للناطقين بغيرها، وجدتُ أن دراسة التراكيب العربية في مرحلة مبكرة لدى الطلاب، والتدريب على مهارة الإعراب، واكتسابها من خلال فهم تلك التراكيب واستخدامها الصحيح، تجعل منهم أشخاصاً قادرين على التعبير عن أنفسهم بلغة سليمة، وهو ما نستطيع أن نطلق عليه (بالسياق اللغوي الاتصالي)، كما هو الحال عند الخطيب عندما يتكلم، فهو لا يعرب كل كلمة يقولها، بل يترك لسليقته اللغوية أن تربط بين هذه الكلمات والجمل وكأنه يُعربها.  وهذا ما كنا نراه ولا زلنا عند كبار الشعراء والفصحاء، وكما يقول ابن خلدون: "إن الملكات إذا استقرت ورسخت في محالها، ظهرت كأنها طبيعة وجبلة لذلك المحل، ولذلك يظن كثير من المغفلين ممن لم يعرف شأن الملكات أن الصواب للعرب في لغتهم إعراباً وبلاغة أمر طبيعي..".[4] وهنا يقع على عاتق المدرس مسؤولية  كبيرة في إيجاد أساليب لتطبيق ذلك داخل الدرس، ثم ينتقل بعد ذلك إلى شرح القاعدة والتدريبات.

ثالثاً: تشجير القاعدة واستخدامها داخل النص

علينا أن نعرف أن الهدف من تدريس النحو والصرف للأجانب ليس فقط حفظ القاعدة وتكرارها، بل لابد من استخدامها في سياقات مختلفة داخل تراكيب وجمل تجعل من القاعدة أكثر وضوحاً وسهولة لدى الطالب، ثم إنني أرى أن أفضل تلك الطرق في جعل القاعدة أكثر سهولة وأقرب للطالب، هي تشجيرها وتبسيطها حتى تصبح كالشجرة مع أغصانها، ثم رسمها فوق النص، وجعل الطالب يقرأ ذلك النص بصورة جهرية ليطبق تلك القاعدة بشكل عملي، وبذلك يسهل على الطالب تذكر القاعدة، فتراه يستخدمها داخل النص بكل سهولة ويسر، ويحاكي فيها أستاذه من دون قصد، لأن القاعدة ترسخت في ذهنه واستخدمها بصورة عملية.

ولعل الهدف الأول من تعلم النحو والصرف للناطقين بغير العربية، هو رفع الكفاءة اللغوية لدى الطلاب من خلال الاستخدام الصحيح للغة، بعيداً عن اللحن والوقوع في الخطأ، ومحاكاة البلغاء والفصحاء في استخداماتهم لتلك اللغة بصورة عجيبة، تجذب السامع إلى جزالة الألفاظ وتناسقها البلاغي والنحوي، كما هو الحال في آيات القرآن الكريم والحديث الشريف.

وفي الختام هذه ثلاثة مقترحات على عجالة لعلَّها تسدُّ بعض الثغرات في تعليم النحو والصرف للناطقين بغير العربية، ولعلَّ الإشكاليات كثيرة فيما يخص العرض والتنظيم والكم وغيرها، والتي قد تحتاج بدورها إلى دراسات وافية تسلط الضوء عليها وتسعى إلى إيجاد حلول جديدة.

 

 

المصادر والمراجع:

  • الحنبلي، ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، 1986م.
  • الركابي، جودت، طرق تدريس اللغة العربية، دار الفكر، الرياض، 1986م.
  • طعيمة، رشدي أحمد، تعليم العربية لغير الناطقين بها: مناهجه وأساليبه، الرباط: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 1989م.
  • عبد الحميد، محمد محي الدين، التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية في قواعد والإعراب، دار الكتب العلمية.
  • فيشر، فولد، معالجة القواعد في كتب تعليم اللغة العربية، "ندوة تأليف كتب تعليميَّة للّغة العربيَّة للناطقين باللغات الأخرى"، الرباط، 1980م.
  • الناقة، محمود كامل، وقائع ندوات تعليم اللّغة العربيَّة لغير النَّاطقين بها، ج2، رياض، 1985م.
  • فلسفة الإنسان عند ابن خلدون، تأليف الجيلاني بن التوهامي مفتاح، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

 

                                                                                           


[1] - التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية في قواعد والإعراب، محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، ص20.

[2] - معالجة القواعد في كتب تعليم اللغة العربية، فولد فيشر، "ندوة تأليف كتب تعليميَّة للّغة العربيَّة للناطقين باللغات الأخرى"، الرباط، 1980م، ص 2.

[3] - تعليم العربية لغير الناطقين بها: مناهجه وأساليبه، رشدي أحمد طعيمة، الرباط: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 1989م، ص20.

[4] - فلسفة الإنسان عند ابن خلدون، تأليف الجيلاني بن التوهامي مفتاح، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص208. وفي المقدمة لابن خلدون، ص483.

 

Ücretli afiş

https://arabicglobal.org/